لما فتح العرب بلاد الشام لم تكن لديهم من الفنون سوى الشعر. ويقال إن النبي حرم فني النحت والتصوير أنهما من قبيل عبادة الأوثان-كما نهى عن الموسيقى، ولبس الحرير الثمين: والتحلي بالذهب والفضة أنهما من أسباب التنعم المؤدي إلى الانحلال؛ ومع أن العرب أخذوا يتحللون شيئاً فشيئاً من هذا التحريم، فإن الفن الإسلامي في ذلك العهد الأول كان ينحصر في فنون العمارة، والخزف، والزركشة. يضاف إلى هذا أن العرب أنفسهم كانوا إلى عهد قريب بدواً أو تجاراً، ولم يكونوا ذوي براعة فنية ناضجة؛ وكانوا يعترفون بقصورهم في هذا الميدان، ولذلك لجأوا إلى الأشكال والتقاليد الفنية المتبعة في بيزنطية، ومصر، والشام، وبلاد العراق، وإيران، والهند، فعدلوها بما يوائم طبيعتهم، كما لجأوا إلى الفنانين والصناع من أهل تلك البلاد. من ذلك أن نقوش قبة الصخرة في بيت المقدس وعمارة مسجد الوليد الثاني في دمشق كانت بيزنطية خالصة. وفيما يلي هذه البلاد من جهة الشرق اتخذ العرب حليات القرميد التي كانت متبعة في بلاد آشور وبابل القديمة، كما اتخذوا أشكال الكنائس الأرمنية النسطورية، وبعد أن دمر المسلمون في بلاد الفرس كثيراً من الأعمال الساسانية الأدبية والفنية تنبهوا إلى مزايا مجموعات العمد، والأقواس المستدقة والعقود، والنقوش المكونة من أوراق النبات والأشكال الهندسية التي أثمرت آخر الأمر طراز الزخرفة العربي المعروف. ولم تكن هذه النتيجة تقليداً محضاً، بل كانت تركيباً بارعاً من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم. وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محال في الهند كل حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازاً فذاً ولكنه متعدد الأنواع، وعبّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فياضة لم يفقها شيء من نوعها حتى ذلك الوقت.